سورة الشمس - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشمس)


        


قوله تعالى: {والشمس وضحاها} في المراد {بضحاها} ثلاثة أقوال.
أحدها: ضوؤها، قاله مجاهد، والزجاج. والضحى: حين يصفو ضَوْءُ الشمس بعد طلوعها.
والثاني: النهار كلُّه، قاله قتادة، وابن قتيبة.
والثالث: حَرُّها، قاله السدي، ومقاتل: {والقمر إذا تلاها} فيه قولان:
أحدهما: إذا تَبِعهَا، قاله ابن عباس في آخرين. ثم في وقت اتباعه لها ثلاثة أقوال.
أحدهما: أنه في أول ليلة من الشهر يرى القمر إذا سقطت الشمس، قاله قتادة.
والثاني: أنه في الخامس عشر يطلع القمر مع غروب الشمس، حكاه الماوردي.
والثالث: أنه في النصف الأول من الشهر إذا غربت تلاها القمر في الإضاءة، وخَلَفها في النور، حكاه علي بن أحمد النيسابوري.
والقول الثاني: إذا ساواها، قاله مجاهد. وقال غيره: إذا استدار، فتلا الشمس في الضياء والنور، وذلك في الليالي البيض.
قوله تعالى: {والنهار إذا جَلاَّها} في المكنى عنها قولان:
أحدهما: أنها الشمس، قاله مجاهد، فيكون المعنى: والنهار إذا بَيَّن الشمس، لأنها تتبيَّن إذا انبسط النهار.
والثاني: أنها الظلمة، فيكون كناية عن غير مذكور، لأن المعنى معروف، كما تقول: أصبحت باردة، وهبت شمالاً، وهذا قول الفراء، واللغويين.
{والليل إذا يغشاها} أي: يغشى الشمس حين تغيب فتظلم الآفاق.
قوله تعالى: {والسماء وما بناها} في {ما} قولان:
أحدهما: بمعنى مَن تقديره ومن بناها قاله الحسن، ومجاهد، وأبو عبيدة، وبعضهم يجعلها بمعنى الذي.
والثاني: أنها بمعنى المصدر، تقديره: وبنائها، وهذا مذهب قتادة، والزجاج. وكذلك القول في {وما طحاها} {وما سَّواها} وقد قرأ أبو عمران الجوني في آخرين {ومن بناها} {ومن طحاها} {ومن سوَّاها} كله بالنون. قال أبو عبيدة: ومعنى {طحاها}: بسطها يميناً وشمالاً، ومن كل جانب. قال ابن قتيبة: يقال: خَيْرٌ طَاحٍ، أي كثير متّسع.
وفي المراد بالنفس ها هنا قولان:
أحدهما: آدم، قاله الحسن.
والثاني: جميع النفوس، قاله عطاء. وقد ذكرنا معنى {سوَّاها} في قوله تعالى: {فسوَّاك فعدلك} [الانفطار: 7] {فألهمها فجورها وتقواها} الإلهام: إيقاع الشيء في النفس. قال سعيد بن جبير: ألزمها فجورها وتقواها. وقال ابن زيد: جعل ذلك فيها بتوفيقه إياها للتقوى، وخذلانه إياها للفجور.
قوله تعالى: {قد أفلح من زكاها} قال الزجاج: هذا جواب القسم. والمعنى: لقد أفلح، ولكن اللام حذفت لأن الكلام طال، فصار طوله عوضاً منها. قال ابن الأنباري: جوابه محذوف. وفي معنى الكلام قولان:
أحدهما: قد أفلحت نفس زكاها الله عز وجل، قاله ابن عباس، ومقاتل، والفراء، والزجاج.
والثاني: قد أفلح من زكّى نفسه بطاعة الله وصالح الأعمال، قاله قتادة، وابن قتيبة. ومعنى {زكاها}: أصلحها وطهرها من الذنوب {وقد خاب من دساها} فيه قولان كالذي قبله.
فإن قلنا: إن الفعل لله، فمعنى {دساها} خذلها، وأخملها، وأخفى محلها، بالكفر والمعصية ولم يشهرها بالطاعة والعمل الصالح.
وإن قلنا: الفعل للإنسان، فمعنى {دساها} أخفاها بالفجور. قال الفراء: ويروى أن {دَسَّاها} دَسَّسَهَا لأن البخيل يخفي منزله وماله. وقال ابن قتيبة: المعنى: دسى نفسه، أي: أخفاها بالفجور والمعصية. والأصل من دَسَّسَتُ، فقلبت السين ياءً، كما قالوا: قصَّيت أظفاري، أي: قصصتها. فكأن النَّطِفَ بارتكاب الفواحش دس نفسه، وقمعها، ومُصْطَنِعُ المعروف شهر نفسه ورفعها، وكانت أجواد العرب تنزل الرُّبا للشهرة. واللئام تنزل الأطراف لتخفي أماكنها. وقال الزجاج: معنى {دساها} جعلها قليلة خسيسة.


قوله تعالى: {كذبت ثمود بطغواها} أي: كذبت رسولها بطغيانها. والمعنى: أن الطغيان حملهم على التكذيب. قال الفراء: أراد بطغواها: طغيانها، وهما مصدران، إلا أن الطغوى أشكل برؤوس الآيات، فاختير لذلك. وقيل: كذبوا العذاب {إذ انبعث} أي: انْتَدَبَ {أشقاها} وهو: عاقر الناقة لعقرها {فقال لهم رسول الله} وهو صالح {ناقة الله} قال الفراء: نصب الناقة على التحذير، وكل تحذير فهو نصب. قال ابن قتيبة: المعنى: احذروا ناقة الله وشربها. وقال الزجاج: المعنى: ذَرُوا ناقة الله {و} ذَرُوا {سقياها}. قال المفسرون: سقياها: شربها من الماء. والمعنى: لا تتعرَّضوا ليوم شربها {فكذَّبوه} في تحذيره إياهم العذاب بعقرها {فعقروها} وقد بيَّنا معنى العقر في [الأعراف: 77] {فدمدمَ عليهم ربهم} قال الزجاج: أي: أطبق عليهم العذاب. يقال: دمدمت على الشيء: إذا أطبقت فكرَّرت الإطباق. وقال المؤرِّج: الدمدمة: إهلاك باستئصال.
وفي قوله تعالى: {فَسوَّاها} قولان:
أحدهما: سوَّى بينهم في الإهلاك، قاله السدي، ويحيى بن سلام. وقيل: سوَّى الدمدمة عليهم. والمعنى: أنه أهلك صغيرهم، وكبيرهم.
والثاني: سوَّى الأرض عليهم. قال مقاتل: سوَّى بيوتهم على قبورهم. وكانوا قد حفروا قبوراً فاضطجعوا فيها، فلما صِيْحَ بهم فهلكوا زُلزلت بيوتهم فوقعت على قبورهم.
قوله تعالى: {ولا يخاف عقباها} قرأ أبو جعفر، ونافع، وابن عامر، {فلا يخاف} بالفاء، وكذلك هو في مصاحف أهل المدينة والشام. وقرأ الباقون بالواو، وكذلك هي في مصاحف مكة، والكوفة، والبصرة.
وفي المشار إليه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه الله عز وجل، فالمعنى: لا يخاف الله من أحد تَبِعَةً في إهلاكهم، ولا يخشى عقبى ما صنع، قاله ابن عباس، والحسن.
والثاني: أنه الذي عقرها، فالمعنى: أنه لم يخف عقبَى ما صنع، وهذا مذهب الضحاك والسدي، وابن السائب. فعلى هذا في الكلام تقديم وتأخير، تقديره: إذ انبعث أشقاها وهو لا يخاف عقباها.
والثالث: أنه نبي الله صالح لم يخف عقباها، حكاه الزجاج.